واقع المكتبات في موريتانيا ..بين الكساد وغياب عادة القراءة

سبت, 06/02/2021 - 13:35

تعيش المكتبات الحرة التي تبيع الكتب في العاصمة ازمة اتفق القائمين عليها على انها تداعيات مستمرة بدات تعيشها منذ اكثر من عقدين، (الرقيب) حاولت ان ترصد عن قرب ابرز ملامح ازمة المكتبات، وما يراه أصحابها من أسباب لها ومن مستقبل للمكتبة في ظل هذه الأزمة.
العصر الذهبي للمكتبة:
مر العصر الذهبي للمكتبة بموريتانيا بفترتين متباينتين تميزت كل منهما بازدياد الطلب على نوعية محددة من الكتب، وهكذا كانت فترة الثمانينات والى غاية التسعينات من القرن الماضي فترة سيطرة لبيع الروايات بجميع انواعها، شملت الروايات البوليسية للاطفال والمراهقين- وروايات عبير العاطفية  - روايات المنفلوطي وجبران ونجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم..وغيرهم، مقابل كتب نثرية لكتاب من امثال طه حسين وميخائيل نعيمة والمسعدي والعقاد، ودواوين الشعراء من العصرين الأموي والعباسي، ومن المعاصرين كالسياب ونازك ونزار وابو ماضي وعمر ابو ريشة ومحمود درويش.
وقد اعتبرت الأجنحة التي تضمنت الروايات والكتب السابقة بأنها الأجنحة الأكثر زيارة من قبل الزائرين فيما حققت مبيعات هذا النوع من الكتب معدلات قياسية مقارنة بالكتب في المجالات الأخرى.
وبداية من منتصف التسعينات الماضية سيتحول الطلب ليكون على الكتب المرتبطة بما عرف بظاهرة الصحوة الاسلامية بمختلف تجلياتها ومشاربها حيث سيروج في هذه الفترة كتب مطلوبة عند أنصار حركة الإخوان المسلمين والحركة السلفية وحركة الدعوة والتبليغ، لأسماء من قبيل : سيد قطب والسيد سابق وابن تيمية وفتحي يكن وخالد محمد خالد.
فيما انتعش بشكل غير مسبوق لاحقا الطلب على كتب المذاهب الفقهية والعقائد  خصوصا الموسوعية منها كالمغني والمحلى، إلى جانب كتب الحديث وشروحاتها وأهمها كتب الصحاح والسنن والمساند ومصنفات الألباني حديثا عليها.
وبالنسبة للمكتبات التي ظهرت في هذه الفترة وواكبت العصر الذهبي لاقتناء الكتاب بمجالاته السابقة فد كانت شركة (اغرالي كماه) هي الشركة الأبرز والأهم من حيث مبالغ الاستثمار في الكتب وإعدادها، فيما تلتها لاحقا شركة الكتب الاسلامية التي استفادت هي الاخرى من العصر الذهبي لبيع الرواية قبل ان تنجح في ازاحة شركة (اغرالي كماه) من الصدارة في مرحلة الطلب على الكتب الإسلامية، ومنافستها بصفة بالغة حتى إخراجها من الساحة بصورة نهائية بعد ذلك.
المكتبة واشكالية الموقع:
يرى القائمون على المكتبات ان اهم عامل كان المتجهون الى الاستثمار في انشاء المكتبات ياخذونه بعين الاعتبار هو عامل المنطقة التي ستفتح فيها مقرها وهكذا اعتبرت منطقة سوق العاصمة هي المنطقة الأفضل بسبب اقترابها من الاسواق التي ينزل اليها الباعة والمشترون، وكذا المقرات الادارية التي يراجعها باستمرار اغلب المواطنين بشكل يومي ومستمر، الى جانب وقوع هذه المنطقة بالقرب من المكتبة الوطنية واغلب المراكز الثقافية لدول عربية مخصصة للمطالعة الحرة والتي شملت عددا معتبرا من المؤسسات تمثل في: المركز المصري ـ والمركز المغربي الى جانب مراكز أخرى تم اغلاقها على تناوب هي: المركز السوري (كان يقع بالقرب من المقر الحالي لبنك التمويلات الاسلامية) ـ المركز الليبي ( كان يقع مقره في المقر الحالي لبنك الأمانة)– والمركز العراقي (كان يقع مقره بين مجمع بولي اكلينك والمسجد المغربي) -ـ مركز الدعوة والإرشاد السعودي (كان يقع مقره في مقر وكالة مصرف باميس المقابلة حاليا لمصرف اورا بنك).
ولاحقا ستتخذ اغلب المكتبات من المنطقة القريبة من السوق المركزي للعاصمة مقرات لها ونذكر منها: مكتبة الولاتي - مكتبة الاصلاح – المعرض المصري للكتاب - مكتبة الاداب ـ فيما ستفتح مكتبات أخرى مقرات غير بعيد من السوق المركزي وبالتحديد في الطرق الرئيسة المارة من امامه في اتجاه الناحية الشمالية ونذكر من هذه المكتبات: مكتبة القرنين 15/21 - مكتبة جسور - مكتبة الفصول الأربعة ومكتبة الشعب. أو فتح مقرات في طرق متفرعة عن هذه الطرق الرئيسية كما اختارت ذلك مكتبات القدس (كانت تقع خلف المفوضية رقم 4 بالعاصمة) ومكتبة القافلة (كان مقرها الى الغرب من مصرف اورا بنك).
محطات الازمة:
يرى القائمون على المكتبات أن أزمة الكتاب طالت في البداية الروايات التي تراجع الإقبال عليها منذ عقد ونصف بسبب استبدال الناس لها بمواقع التواصل الاجتماعي حيث استعاضوا بقضاء ما لديهم من وقت للفراغ كانت تخصص بعضه لقراءة القصص في مطالعة هذه المواقع.
البعض الآخر رأى ان الرواج الذي شهدته الكتب الدينية من مؤلفات فقهية وأخرى مرتبطة بالصحوة الإسلامية وبانتشار الفكر السلفي قد تراجع هو الآخر وحل محله كساد كبير في سوق هذا النوع من الكتب اثر بشكل بالغ على أصحاب المكتبات نتيجة عدم قدرتهم على استرجاع ما صرفوه من أموال على اقتنائها وجلبها الى موريتانيا.
وفي مقابل ازمة الكساد التي تعرفها اغلب مجالات حافظت بعض المجالات القليلة على معدل مبيعاتها فيما شهدت أخرى جديدة ازدهارا لم تشهده من قبل. ويبقى من ابرز الكتب التي سجلت مبيعات افضل من السابق الكتب المدرسية خصوصا للمرحلة الثانوية والجامعية والكتب المرتبطة بالتخصص في مجالات التجارة والمحاسبة والقانون والطب والصيدلة والحرف.
في حين لم تتاثر كتب رخيصة تخص الأدعية وبعض المأثورات ودلائل الخيرات بازمة اقتناء الكتاب حيث حافظت على معدلات بيعها بشكل مستمر، ولم تتاثر كثيرا بالكساد، وهو ما يرجعه احد بائعيها الشباب الى جمهورها المكون اساسا من النساء وبعض المستعربين من الشرائح الزنجية من اصحاب المحاظر، كما أعاده ايضا الى طريقة تسويقها حيث يشتريها شباب من شريحة الفلان غالبا ويجولون بها في الاسواق والطرقات والمرافق العمومية لبيعها للراغبين في اقتنائها والتبرك بها بدل انتظار حضورهم الى المكتبات لطلبها.
 وهناك نوعية اخرى من الكتب تاثرت نسبيا بالكساد الذي تعرفه سوق الكتب ويتعلق الامر بباعة المتون الموريتانية الذين يعملون على استنساخ مخطوطات مرقونة لرجال علم وادب معروفين ذكروا ان مبيعاتهم هم الاخرين في تراجع، قائلين ان كتبا بعينها مثل كتاب الفقه على الطريقة المالكية للعلامة حمدا ولد التاه، وديوان امحمد ولد احمد يوره يظلان يحافظان على مبيعات جيدة مقارنة بالكتب الاخرى.
تطوير الدور:
وجدنا من خلال هذا الاستطلاع ان بعض المكتبات خرجت من الدور التقليدي لها بالاكتفاء باستيراد الكتب من ناشرين أجانب في لبنان وتونس والمغرب وبيعها جاهزة الى دخول تجربة نشر الكتب بنفسها، حيث استفادت هذه المكتبات في هذا المجال من استغلال الرصيد المعتبر للمخطوطات الموريتانية كما وكيفا، فلجأت الى التعاقد مع دور نشر في لبنان والمغرب لتولي طباعة هذه الكتب لحسابها الخاص.
وتعتبر مكتبة الاصلاح ومكتبة القرنين 15/21 من ابرز المساهمين في هذا المجال حيث تولتا نشر العديد من الكتب بطباعة جيدة واخراج متميز، وهكذا سبق للمكتبة الاخيرة ان قامت بطباعة ترجمة كتاب البرتغالي غوميس أيانيس دي آزورارا والذي هو بعنوان (تاريخ اكتشاف وغزو غينيا) وقام بترجمته احمد ولد المصطف سنة 2015، كما قامت نفس المكتبة مؤخرا بإصدار ديوان (سطور حمراء) وهو عبارة عن نصوص شعرية لشعراء حركة الكادحين كتبت في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي.
وقد تطورت تجربة نشر المكتبات الخصوصيين للكتب لاحقا الى انشاء اتحاد تحت مسمى (اتحاد الناشرين الموريتانيين) والذي اعتبر بعض اصحاب المكتبات مثل القيم على مكتبة الاداب ان رسومها المرتفعة والمتمثلة في160 ألف أوقية قديمة سنويا تحول بين بعض المكتبات وطلب عضويته.
ظاهرة بيع المكتبات:
من الظواهر التي استوقفتنا في هذا التحقيق ظاهرة بيع المكتبات والتي رصدناها في هذا المجال، حيث وجدنا عدد من مؤسسي المكتبات قام ببيع مكتباتهم إلى أطراف أخرى، وهو الاجراء الذي خضعت له كل من مكتبة القرنين 15/21، ومكتبة القوافل ومكتبة جسور .
وعند التمعن في الاسباب التي دفعت مؤسسي المكتبات الى بيعها وجدنا انها لم تكن واحدة، حيث تم بيع بعضها (حالة مكتبة القرنين 15/21) بسبب نجاحها تجاريا وتميز معدل مبيعاتها، فيما كان السبب في بيع البعض الاخر من المكتبات عكس ذلك وذلك بسبب تعثر اصحابها في تحصيل جمهور ثابت او معدل جيد للمبيعات يغطي اهم تكاليفها.
ابعاد مختلفة لازمة واحدة:
اصحاب المكتبات الذي التقيناهم قالوا ان ازمة المكتبات الحرة تعود لاكثر من سبب حيث أجملوها في الاسباب التالية:
-    صعوبة الحياة وتضاعف المصاريف الاسرية مما يستنفد ميزانية المثقف والعالم ويجعلهم يضربون صفحا عن اقتناء الكتب ورصد مبالغ من رواتبهم ودخلهم لصرفها عليها.
ـ - غياب عادة القراءة وهي مظهر للازمة لا يتعلق بالقراءة نفسها فالناس تصرف في قراءة ما ينشر على المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي الكثير من الوقت، وبما يجعل ازمة القراء تنحصر خاصة بالكتاب ولا تشاركه فيها الا الصحيفة التي تراجع الاقبال على قرائتها والصرف على اقتنائها مثل الكتاب.
-    تراجع مداخيل الكتب وعدم قدرتها على استيفاء متطلبات الإيجار والعاملين مما جعل أصحاب المكتبات يقدمون على بيعها او يقومون بتحويلها إلى أماكن أخرى.
سهام المصطفى