حين كتب الكاتب الكبير احسان عبد القدوس قصته الشهيرة "الهزيمة اسمها ..فاطمة" كان يلخص بجدارة كل اسباب وخلفيات هزيمة 5 يونيو 1967 للعرب مجتمعين على يد اسرائيل، ورغم ان العرب اخذوا على حين غرة وأجبروا وهم مغمضو الاعين على الذهاب الى الحرب والهزيمة (كما تحكي ذلك الوثائق والشهادات في كتابي "سنوات الغليان" و"الانفجار"لمحمد حسنين هيكل)، فان الكاتب استطاع ان يجد طريقة معبرة ليختزل فيها اسباب الهزيمة للراي العام كما للنخبة العربية، وذلك باتخاذه من الفتاة فاطمة (التي وجدها ضمن اللاجئين الفارين من سيناء بعد احتلالها من قبل الاسرائليين الى الضفة الغربية لقناة السويس) عنوانا لكل الاوضاع التي حضرت لهزيمة العرب.. ففاطمة الفتاة الامية التي لا تمتلك تجربة ولا ثقافة ولا فكرا كانت هي نموذج المراة العربية المغيبة عن التعليم والمشاركة في الحياة العامة والسلطة..كما كانت هي نفسها الام والزوجة التي ترعى وتربي الجنود والاداريين والنخبة!!
استحضرت هذا العنوان لاسقاطه على حالة اشكال القمامة لدينا وهي المتراكمة منذ عقود في شوارعنا حيث فشلت كل الخطط السابقة واللاحقة في ارساء نظام فعال لمواجهتها.. ذلك ان الحلول المتخذة كانت تفتقد الى العمق لمعالجة الاشكالات البنيوية والوظيفية كما في كل الامور الاخرى الاساسية لدينا.
نعم ان فشلنا في القمامة ..هو فشلنا في الصحة ..وفشلنا في التعليم .. كما هو فشلنا في توفير الامن في الاحياء الشعبية .. حيث الحلول دائما هي حلول ارتجالية واحيانا تسكينية وترقيعية وتفتقد الى البعد الوقائي ناهيك عن الابعاد السابقة البنيوية منها والوظيفية.
فكم كان مضحكا ان نكتفي باستيراد المقاربات وشراء المعدات ونظن ان ذلك كافيا لعلاج المشكل في اي قطاع حيوي لدينا.. فعلنا ذلك في النظافة فحظرنا التعامل في البلاستيك ظنا منا انه سيخفف ازمة القمامة (كما حصل في روندا التي تشددت في قضية حظر البلاستيك) فماذا كانت النتيجة .. " مفارقة" بكل المقاييس حيث تضاعفت القمامة وبصور غيرمسبوق في غياب الحد الكبير من هذا المعطى.
فعلنا ذلك في التعليم فاستوردنا مقاربة الكفايات من كندا وصرفنا المليارات في المدارس ومنحنا علاوات البعد والطبشور للمعلم والاستاذ .. فماذا كانت النتيجة .. مفارقةاخرى هي تدن اكثر في المستويات لدى التلاميذ.. وتهرب اكبر من المسؤولية في صفوف المدرسين عن المدرسة العامة الى المدرسة الخاصة.
فعلنا ذلك في الصحة .. فاستوردنا اسكانيرات باغلى الاثمان وبنينا كلية للطب والكثير من المستشفيات المتخصصة ومنحنا الكثير من العلاوات للطاقم الطبي .. والنتيجة هي نفسها حيث تعجز المصالح الاستعجالية في اي مستشفى كبير عن استقبال 20 حالة في نفس الوقت.
فعلنا ذلك في الامن .. فكونا "اضعافا مضاعفة" لاعداد الشرطة وبنينيا اضعاف المفوضيات وقسمنا المقاطعات بين العديد منها وصرفنا المليارات في رواتب الشرطة وتجهيزاتها .. والنتيجة هي انفلات امني لم يعد معه اب قادر على النوم قرير العين ولا ام يغمض لها جفن في انتظار صولة سارق اومغتصب ليلااو في الضحى والقيلولة على مسكنهم او اعراضهم.. في المنزل كما في الشارع عليهم وعلى غيرهم.
التحدي اذن في النظافة كما في غيرها اعمق مما نظن في سياساستنا العامة حيث يحتاج الامر الى ان نفكر بمنطق اخر يجمع بين البعد البنيوي والوظيفي والاجرائي لصياغة الحلول وتجسيدها على ارض الواقع لتكون تلك الحلول قادرة على أن تزاوج حقا بين "الفعالية" و"|الاستمرارية" والذين هما الغاية من وراء اية حلول.