المطاعم في موریتانیا .. بین الفوضویة وانعدام الرقابة

أحد, 19/01/2020 - 17:33

 

تكاد ظاهرة المطاعم السریعة تكتسح طرقات نواكشوط اكتساحا، ذلك أنك حیثما توجهت سالكا إحدى الطرق الرئیسیة في مقاطعات العاصمة التسع إلا اعترضتك لافتات تعلن عن مطاعم من هذا النوع. غیر أنه وخلف هذه الظاهرة التي تعبر في جوهرها عن تهدید كامل لوجباتنا التقلیدية التي كان یتوجب تطویرها والرفع من مستواها، تكمن تساؤلات كبیرة .. یبقى اهمها .. كیف یحضر أصحاب هذه المطاعم وجباتهم؟ وما مدى صلاحیة المواد المستخدمة فیها؟ وما تفسیر الأسعار المتدنیة نسبيا التي تبیع بها المطاعم نتاجها ؟ وأین هي المصالح التي یتوقع فیها الرقابة على الصحة العامة؟.

إن أي استقراء للأسعار وللأجور والإیجار والمصاریف لأصحاب هذه المطاعم تجعل من المبرر التساؤل عن كیف یمكن لهم توقع النجاح وعدم التعرض للخسارة اذا كانوا یشترون وفق مقتضیات السوق وبأسعاره الرسمیة؟، وهو ما یدفع للقول بان أصحاب هذه المطاعم ربما وجدوا الحل الأنسب في شراء المواد المنتهیة الصلاحیة والتي یمكن أن یحصلوا علیها بأقل الأثمان إن لم یكن مجانا، ثم جعلها مادتهم الرسمیة في عمل الوجبات.

ولعل غیاب مصالح مختصة تسهر على مراقبة مثل هذه الأنشطة یجعل الاغراء بالمغامرة في سبیل القیام بتسویق المواد المنتهیة الصلاحیة ملحا، وهو سر ربما یكشف لنا سر تلك الظاهرة المریب المثمتل في الإقدام على الاستئجار في أهم المناطق والشوارع والتوفر على عمالة مرتفعة من جهة، و سر بیع هذه المطاعم منتجاتهم بأدنى الأسعار (200 أوقیة) والتي لم ترفعها كثیر من المطاعم رغم تضاعف الأسعار أكثر من مرة الى مرتین منذ ظهرت هذه المطاعم نهایة عهد الرئیس ولد الطایع

2003م.

كما یلاحظ أن العائدات الضخمة لهذه المطاعم تستنزف هي الأخرى جیوب المواطنین من خلال صرف أبي الأسرة یومیا على أبنائه لشراء الوجبات بمعدل "2 "سندویش للمراهق والشاب، كما أن الأخطر من ذلك أن ظاهرة الاقبال على الشراء من هذه المطاعم قد دخل في صمیم العادات في المدن خصوصا منها العاصمة وعواصم الولایات، أما في المدن الأخرى فإن ظهور هذه الوجبات في أي محل یجعل الفتاة والشاب ضعیفین أمام إغراء مثل هذه المادة التي تمثل بالنسبة إلیهم عاملا من

عوامل الانطلاق إلى التحرر، كما لاحظوا في سفراتهم إلى المدن الكبیرة.

التفریط في المسؤولیة:

لعله من الغرابة بمكان أن تغیب مع تقدمنا وانفتاحنا أجهزة الرقابة على المواد المستعملة والتي یظهر أن آخر عهد لنا بها كان في حدود العام 1982م، حیث كانت هناك مصالح مختصة في الرقابة على المواد الاستهلاكیة في الدكاكین كما في المطاعم، وهي كما نرى ظاهرة تحتاج إلى قراءة وتفسیر، إذ كیف مع كل ما نعرفه من تحضر نفرط في إرساء عادات تخص الصحة العامة، ونقبل أن نتراجع باستمرار الأداء في هذا الجانب؟.

قطعا أن المسؤولیة هنا تظل تتقاسمها ثلاث جهات رئیسیة هي المعنیة أكثر من غیرها بموضوع الرقابة على المواد التي تباع من قبل المطاعم والتي تهدد السلامة العامة وتستنزف قدرات البسطاء أكثر من ذلك تهدد بتهریب المزید من عملتنا خارج الوطن.

وتبقى أهم الجهات المعنیة في هذا الإطار وزارة الصحة التي أعلنت استقالتها من مثل هذا الموضوع،ذلك برغم توفرها على مركز للصحة العمومیة، ولعل السبب في إهمال هذا الجانب من قبل وزارة الصحة هو غیاب التشریعات في هذا المجال وتقادم عهد الموجود منها والذي یعود إلى فترات أصبحت بعیدة نسبیا (ما قبل منتصف الثمانینات).

وهو ما لا یمكن أن یصحح من سیاسة واضحة في ها المجال تقوم على استحداث إدارة خاصة، تسند إلیها مهمة التفتیش والرقابة على المطاعم السریعة، كما تشرف على وضع مجموعة من النظم والضوابط ـ على شاكلة ما قامت به في مجال الصیدلیات - التي یجب أن تتوفر في المطعم للترخیص لصاحبه في فتح مطعم أو الإقدام على إغلاقه في حالة عدم توفرها إذا كان قائما. ذلك أنه یبقى من غیر المقبول ولا المبرر أن تقوم وزارة الصحة بحملتها على الأدویة الفاسدة وأن تقدم على خطتها لتنظیم بیع الدواء ومكافحة تزویره، ولا تقوم بحملة مماثلة تخص الأطعمة السریعة والتي هي المسؤولة عن نسبة كبیرة من الأمراض التي ترهق الدولة معالجتها وتستنزف جزءًمهما من میزانیة وزارة الصحة من قبیل أمراض الشرایین والضغط والسكر والجهاز الهضمي.

المسؤول الثاني عن فوضى المطاعم السریعة هو البلدیة التي تغیب فیها أي مصلحة لمتابعة شؤونها،ورغم أن العمدة في التشریعات المحلیة یحمل صفة درجة ضابط للصحة العامة فإن هذه المهمة تبقى غیر مترجمة في قوانین توضح عمله في مجال المحافظة على الصحة العامة.

كما أن إقدام البلدیة على جبایة الضرائب من المطاعم یجعل من الواجب علیها أن تقدم خدمات في مجال تنظیم هذا القطاع للرفع من مستوى خدماته والسهر على أن تكون صحیة ونظیفة، وبما یقتضي علیها أن تفرض قوانین تحدد فیها اجراءاتٍللنظافة والطهو الصحي، تعتمد فیها على تجارب الدول المجاورة.

أما المسؤول الثالث والأخیر عن فوضویة قطاع المطاعم لدینا فهو منظمات الدفاع عن حقوق المستهلك التي نرى دائما بیاناتها تشجب وتدین ارتفاع أسعار المحروقات وتطالب بتخفیضها، في وقت نراها تتجاهل ـ وبما یشبه العد ـ الدعوة لإیجاد مراقبة عامة على الوجبات المنتجة في المطاعم السریعة، ولا تهتم بالقیام بتفتیش او تحقیق في مجال هذه الوجبات.

ذلك أن منظمة حمایة المستهلك كان ینبغي أن تكون المطاعم في طلیعة اهتمامها بصفتها المؤثرة أكثر على الصحة العامة، كما كان یلزم أن تجمع دوریا الحالات التي تثبت سیادة الإهمال والتخبط في عمل  هذه المطاعم، مع القیام بتصنیف دوري للمطاعم الموجودة تبعا لجودة خدماتها، والقیام بإنتاج لائحة سوداء للمطاعم السیئة الصیت للتشهیر بها والدعوة لمقاطعتها، وهي مهام كان من المنتظر إذا ما قیم بها مع خلق رقابة عامة أن تدفع أصحاب المطاعم لتحسین خدماتهم.

 

دعوة لرفع الضرر:

قد لا یكون من المناسب ولا من المعقول أن ندعو إلى إغلاق محلات تقدم نفسها على أنها تسعى لمساعدة العمال والعازبین وغیرهم في الحصول على وجبات سریعة، لكنه في المقابل وهو ما تدعمه التساؤلات التي طرحناها خلال هذا التحقیق، ربما من غیر المعقول ولا المقبول أن یبقى قطاع حساس مثل هذا القطاع یشهد فوضویة ربما أنها تزداد وتتوسع في العاصمة والداخل وباستمرار، ولعل صحة المواطنین ستبقى في خطر كبیر طالما لم تقم وزارة الصحة بما یعنیها في الموضوع من سن قوانین وتعیین مصالح ومخابر خاصة بالرقابة والتفتیش على هذه المطاعم فضلا عن إعداد شروط وضوابط لافتتاح المطاعم وإدارتها ونظافتها وإنتاج وجباتها وإسناد مثل هذه المهمة الى البلدیات. في تنمیة اتجاه رقابة عامة على هذه المطاعم . أما منظمات حمایة المستهلك فیبقى دورها محوريا خلال كشف الخروقات وإحصاء التجاوزات وإعداد لوائح سوداء خاصة للمطاعم التي تصر على أن تبقى بدون تطویر أو ضبط معاییر تخدم صحة زبنائها.

قسم التحقيقات - الرقيب