اعادة تنظيم قطاع الصيدلة في موريتانيا.. هل اسهم في تحسين خدماته ام زاد من ترديها

سبت, 28/03/2020 - 10:20

 

 قرار شجاع:

حاز القرار الذي اطلقه وزير الصحة الموريتاني محمد نذيرو بداية شهر نفمبر 2019 بإعادة تنظيم الصيدلة في البلاد تفعيلا لقانون الصيدلة رقم 022 – 2010.على مساندة عريضة بين افراد المجتمع خصوصا في شريحتي الشباب والموظفين من ذوي الدخل المحدود، فيما اثار القرا سخطا كبيرا لدى الموردين وأصحاب قطاع الصيدلية من الأجراء.

وتمثلت ابرز نقطتين في ذلك القرار المثير في:

ـ احتكار شركة كامبك المملوكة للدولة للستيراد الدواء وذلك للحد من دخول الادوية المزورة للسوق الموريتاني.

ـ فرض مسافة بين الصيدليات والمستشفيات وبينها وبعضها البعض والتي تحددت ب 200 م

ورغم الشك الكبير الذي ساد مختلف الاوساط بان القرار سيتم التراجع عنه لما سيتسبب فيه من خسارة هائلة للاصحاب الصيدليات وعموم المستثمرين في القطاع ناهيك عن مضاره الاجتماعية والمتمثلة في تسريح الاف العمال الذين كان يوظفهم القطاع، فقد تاكد في النهاية ان القرار حاز على موافقة السلطات العليا بالبلد ولم يتم تطبيقه من قبل الوزير ومصالح وزراته الا بعد الحصول على الضوء الاخضر منها، وهو ما يعني فشل كل المحاولات التي بذلها اباطرة قطاع الصيدلة والذين ساد الاعتقاد بانهم مارسوا كلما بحوزتهم من اوراق متمثلة في الواسطة بالاقارب من كبار الضباط وكبار المسؤولين، وعرض مبالغ كبيرة لوسطاء بهدف اقناع السلطات وعلى اكثر من مستوى بالعدول عن قرارها المثير للجدل.

وشيئا فشيئا بدا واضحا مستوى الصرامة في تطبيق القرار باغلاق اغلب الصيدلات  الكبرى و اخلاء واجهة جميع المستشفيات منها ومن عشرات الصيدليات الاخرى التي كانت تحيط بكل مؤسسة صحية احاطة السوار بالمعصم.

في حين جرى  توظيف رجال الامن من  قيل الوزارة للاستعانة بهم في تطبيق قرارها وفرض اخلاء المحلات من الادوية والتقيد التام بالمسافة المحددة بين الصيدليات.

تضامن وتنديد:

وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي حملة موازية للحملة الاعلامية في وسائل الاعلام العمومي التي واكبت تطبيق قرار المسافة، والتي اكدت من خلال استضافة مسؤولي القطاع وعلى راسهم وزير الصحة نفسه بان القرار لم يتخذ الا بعد توفير جميع الادوية التي يحتاج اليها المريض في الصيدليات داخل المستشفيات، وحفلت تلك المنصات باطلاق مجموعة من الهاتشاغات كان ابرزها هشتاغ "نذيرو لا تولي" الشهير، فيما تجاوز الامر ذلك الى تسخير منصات التواصل الاجتماعي في الدعوة لتنظيم مسيرات مؤيدة للقرار كان الهدف منها مساندة الوزير وارباك معارضيه، وتخفيف الضغوط الممارسة ضده، فيما اعتبر  حينها مهما في المساعدة على  انجاح وتمرير قراره.

وفي المقابل نظم اصحاب الصيدليات والعمال المفصولين منها هم الاخرون مجموعة من الاحتجاجات شملت تنظيم عدة وقفات سلمية امام وزارة الصحة و مبنى رئاسة الجمهورية، واطلاق حملات موازية لحملات التاييد لنذير في وسائل الاعلام الخصوصي ومنصات التواصل الاجتماعي محاولين بذلك جاهدين الضغط على الوزير للتراجع عن قرار المسافة، وكان من ابرز الشعارات التي رفعوها في احتجاتهم شعارهم الشهير الذي كان على شكل تساؤل" نريد ان نعرف العلاقة بين فرض مسافة بين الصيدليات وتحسين اداء قطاع الصيدلة"؟.

كما وظف المتحدثون باسم المتضررين من قرارات الوزير ملكاتهم الخطابية لشرح اضرار المسافة على مراجعي المؤسسات الصحية الذين كان عليهم اللجوء لسيارات اجرة لتحصيل بعض الادوية بسبب تباعد الصيدليات وبالتالي صرف ميزانية اضافية تستنزف مواردهم.

غير ان قرار الوزير جرى تمريره واحترامه في النهاية بسبب الصرامة في تطبيقه، كما دعمه بالاساس منظر ألاف اطنان الدواء وهي تحرق من قبل مصالح الوزارة بدعوى انتهاء صلاحيته او تاكد تزويرها والتي تكرر عرها في وسائل الاعلام العامة والخاصة.

مشاكل بالجملة:

طرح قرار المسافة بين الصيدليات والمستشفيات وبينها وبعضها مشاكل بالجملة لم تبرز الا بعد ان هدات العاصفة التي رافقت تطبيق القرار، وهي المشاكل التي كانت الحماسة قد غطت عليها لاكثر من اسبوعين، وكان من ابرز المشاكل اكتشاف خلو الصيدليات داخل المسنشفيات من كل الادوية غير الحقن الخاصة بالحالات المستعجلة، فيما تاكد حظر كل انواع الادوية الاخرى علي الصيدليات العمومية سواءا التي على شكل اقرار او شراب او دهان والتي تمثل مجتمعة  90% من الادوية الفعلية للامراض.

كما ظهر للعيان ان القرار كان في خدمة اصحاب الصيدليات اكثر مما هو في خدمة المواطن وذلك بعد ان ترك الحبل على الغارب لكل صيدلية لتبيع الدواء بالسعر الذي تريد، وهو امر ظهر انه يستنزف بصورة كبيرة مقدرات الاسر المتوسطة والضعيفة مرتين مرة باستخدام سيارة اجرة للتنقل بين الصيدليات لتحصيل الدواء الارخص، ومرة بصرف اسعار مفروضة عليهم من اصحاب الصيدليات.

وقد كانت المحصلة مزيد من المعاناة للمريض الذي كان عليه ان ينتظر لمزيد من الوقت في الالم قبل ان يستطيع ذووه تحصيل دواؤه بارخص تكلفة مفروضة عليهم مضافا اليها تسعرة سيارة اجرة او بنزين السيارة الشخصية وكذا هامش الربح الذي يفرضه رب الصيدلية والذي هو من يحدده.

وقد عادت منصات التواصل الاجتماعي للاشتعال من جديد لكن هذه المرة لمهاجمة الوزارة الوصية على قطاع الصيدلة وحيث صب كثيرون جام غضبهم على المسؤولين في القطاع، وشارك مدونون بارزون في الحملة كان في طليعتهم اسحق الفاروق الذي بلغت تعليقات على تدوينة له عن دواء قارن بين تسعرته قبل تطبيق المسافة بين الصيدليات وتسعرته بعدها ليصل الى الضعف، عشرات التعليقات شارك كثيرون في توثيق ارتفاع اسعار الادوية من خلالها حيث تضمنت تعليقاتهم صور للاودية وفواتير شرائها.

تدارك الموقف

ولم تتاخر الوزارة كثيرا في التدخل لضبط اسعار الدواء حيث اصدرت مصالحها قائمة موحدة باسعار الادوية راعت فيها ترك هامش للربح لاصحاب الصيدلية، وطبعا كان من السهل عليها ذلك بسبب احتكار شركة كامبك لاستيراد الادوية وبالتالي قدرتها على اقرار ترك هامش معين من الربح بين السعر الذي تبيع به للصيدليات والسعر الذي ستحدده الوزارة للصيدليات لتبيع به الدواء للموطنين.

ورغم ان قرار الوزارة الجديد لم يحظ بما حظي به قرار سحب الاستيراد من موردي الأدوية وحصره على كامبك ولا المسافة بين الصيدليات إلا انه ترك ارتياحا بالغا لدى المواطنين، الذين أصبحوا يجدون في الصيدليات أمامهم لائحة أسعار الأدوية التي يراجعها غالبا مسؤولو الصيدلة قبل نطق السعر للمواطن خوف التبليغ عنهم وبالتالي معاقبتهم على عدم احترام الأسعار المطبقة ن قبل الوزارة.

محصلة هامة

يمكن القول أن قرار إصلاح قطاع الصيدلة في موريتانيا كان مثيرا إلى أقصى حد من حيث طرحه واقراره بسبب مصالح أرباب القطاع وتكلفته والاجتماعية التي كانت في كفة من جهة ،وصحة المواطن وجودة الدواء التي كانت في كفة أخرى من جهة ثانية، ورغم رجحان الكفة الأخيرة على ما يبدو فان الاضرار الجانبية بعد فرض التسعرة الموحدة تبقى محدودة جدا ما دامت الدولة جعلت القطاع تحت مسؤوليتها ومراقبتها باحتكار توريد الادوية على شركة تابعة لها.

واذا كان يحسب للحكومة النجاح في ذلك فانه كان عليها ان تعمل بالموازاة على تخفيف الاضرار الاجتماعية التي الحقتها بمئات العمال الذين وجدوا انفسهم عاطلين عن العمل بعد تسريحهم من قبل الصيدليات التي ابعدت عن المستشفيات، ومعهم اصحاب المحلات الذين كان دخلهم يتاتى من تاجيرها لاصحاب الصيدليات، وكذا الاضرار التي لحقت بارباب المهنة والذين خسروا مئات الملايين  دون التفاف الوزارة الى خسارتهم.

مريم منت الشيخ للرقيب