يعتبر الحجر –أو الحجز- الصحي أمرا ضروريا، وهو الخطوة الأولى نحو الوقاية من الكورونا. وتتعدد مظاهر ومستويات الحجر الصحي ابتداء من العزل الذاتي الاختياري حتى حظر التجوال، بل وإغلاق الشوارع لمنع الخروج إلا عند الضرورة القصوى وبترخيص مكتوب وموقع عليه سلفا كما في فرنسا مثلا.
وبالنظر إلى حالات البطش والإثخان التي مارس فيروس كورونا في دول استهزأت به بدايةً مثل إيطاليا، فإن معاملته كوباء عالمي مستفحل –وربما كعقاب رباني للبشرية إثر تماديها عموما على إشاعة الفاحشة وتسلط قويها على ضعيفها ظلما وعدوانا- تظل عملا مسؤولا ومطلوبا بإلحاح من أولياء الأمور عبر بقاع الدنيا كلها اليوم. من هنا لا يمكن لأي مواطن موريتاني نزيه إلا أن يحيي ويقدر الجهود التي بادرت بها سلطاتنا وقيادتنا في سبيل التوعية والتعبئة ضد مخاطر الكوفيد-19، كما لا يجوز لأحد أن ينغص عليها فيما قامت به من إجراءات عملية على الأرض.
إذا كانت الدول العظمى ذات الإمكانيات الصحية والمالية والعلمية الفائقة بالنسبة لبلدنا لا تستطيع مقاومة تفشي الكورونا، بل وتعلن صراحة أنها استنفدت جميع طاقاتها وطاقات أهل الأرض أجمعهم دون جدوى، فكيف لنا أن نتصور قدرة ذاتية لدينا في موريتانيا نستطيع الاعتماد عليها لمواجهة هذا الوباء في حال تفشيه لا قدر الله!!
إن الحل الوحيد المتاح لنا، بعد لطف الله جلّ وعزّ، هو الاجتهاد في الوقاية سببا لمنع دخول فيروس كورونا بلادَنا أصلا، ومع الأسباب أن نتوكل على الله ونضرع إليه ليقينا كل بأس ومكروه: ﴿فَلَوْلاَ إٍذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ﴾.
من ناحية الأخذ بالأسباب، فإن الاستراتيجية التي يناسب أن نواجه بها الهجوم الخارجي للكوفيد-19 ينبغي أن تتمحور حول محاور لعل أهمها:
حظر التجوال على أبعد مدى زمني لا يلحق ضررا فادحا بالإنتاج الوطني والأنشطة المدرة للدخل.
تعزيز القدرات الفردية باستعمال وسائل تغذية ومقويات من قبيل فيتامين سي (C).
العمل بالنصائح الأساسية التي أصبحت معروفة لدى معظم المواطنين من خلال منشورات وزارة الصحة والوسائط الأخرى المتداولة بين ذوي الجد والإخلاص لوطننا الغالي: كتنظيف الأيدي باستمرار، والابتعاد عن التجمعات غير الضرورية، وعدم الخروج من المنزل إلا للحاجة الملمة... وغير ذلك.
التضامن الوطني والأخوي، وإظهار ذلك من خلال التعاون وأن يرفق يعضنا ببعض بتجنب إغلاء كلفة الحياة اليومية؛ بحيث يخفض التجار الكبار أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، بما في ذلك الأدوية، تخفيضا اختياريا يستهدفون من خلاله المثول عند تغطية تكاليفهم، وأن لا يزيد الربح فوق ذلك بأكثر من (1%) كحد أعلى.
التركيز على جودة إنتاج المواد الغذائية وتقديمها محليا، خاصة تلك الأكثر شعبية كالكسكس والعيش... وإذا كان من غير الواقعي في الوقت الراهن أن أذهب بعيدا إلى حد المطالبة بتطبيق نظام الجودة المعروف عالميا بـ(الأيزو 22000)، فلا أقل من تشكيل لجان محلية، بإشراف مشترك لوزارتي الصحة والتجارة، يعهد إليها بضمان نظافة المخابز ومحالّ صناعة الكسكس والعيش ومحلاّت بيعهما، بالإضافة إلى طرق المناولة العمومية.
إن هذه المحاور الخمسة تبدو لي أهم المقاصد في الوقت الراهن كعناصر استراتيجية لصد هجوم وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، ومن الواضح أنها محاور عمل جماعي تعاوني -مشترك بين المواطنين والسلطات العمومية، وهو ما نحن في أمس الحاجة إليه.
حفظ الله موريتانيا ورفع البلاء عن الأرض، وهو الأحد القادر على ذلك.
محمد نافع ولد المختار ولد آكه