وقف يوما في ساحة الطعان والنزال وحيدا دون سيف أو درع رافضا أن ينحني أو يركع لأسياد الإقطاع وأرباب الوجاهة الزائفة، ولم يكن له في المواجهة المهولة بموازينه المقلوبة في غير صالحه غير نظراته المتمردة و روحه المستعصية على الاستسلام و صوته المبحوح بالغناء للفجر و الانعتاق.
شرب حتى النخاع من خمر التحدي لدى ماركس المبشر بعهد لا أسياد فيه كان رغم زيف شعاراته المثالية ملهما للتمرد والبحث عن المعنى المفقود للمساواة والذي أضاعته البشرية منذ فجر تاريخها.
ورغم انه خذلته الوسامة والكاريزما وحتى الفصاحة فقد كان قادرا على أن يثبت انها مقومات غير أساسية لفرض الرأي واثبات الذات،مؤكدا بذلك تفرده وبطولته.
سعى وعاش وفيا لقضية مقارعة الغبن التاريخي وهو يستحضر ويستلهم بوعي مأساة يوسف الصديق لتخليص من عاشوا تحت نيره هنا وفي كل مكان يتوارثونه في نظام الرق الذي كان قاسيا يختار صاحبه او يختاره هو دون رحمة .
خذله الرفاق فلم يجعلوه يستفيد من مكاسب القضية التي حملوا معا لواءها والتي اظهر هو في سبيلها من شجاعة وقدم من تضحيات ما لم يظهره أو يقدمه غيره، وقد ترفع هو عن أن يتاجر باسمها للحصول على لقب وزير أو مدير أو نائب آو عمدة، ومع قساوة الرفاق ظل صمدا على المبدأ كالقابض على الجمر..ظل راضيا قانعا لم يقطع حبلا الود معهم أو ينتقم من قضيته فيبيعها للسلطة كما فعل غيره بثمن أو بدون ثمن مقبوض أو يجعلها بقرة حلوبا .
ورغم ما أظهره من شدة في مقارعة نظام الأسياد فقد كان في حياته الخاصة يجد السكينة في بعض المصالحة مع الحياة التقليدية فكان يحسن ل"طلبته" ويطلب منهم "البركة" ويحرص على ان يواسيهم بنفسه وماله، ليظهر بذلك الوجه الحقيقي لإنسانيته التي تربا على أن تسقط في شرك الانتقام وتترفع على الحقد الأعمى ومحاكمة التاريخ.
اهنا ايها الفارس الشجاع فقد شب بنوك عن الطوق، وظلك الفارع المهيب يغطي خارطة وطن شاءت الأقدار إن تحمل هم ومعاناة ساكنته من الارقاء ملونين وغير ملونين فتدفع في سبيلها من عمرك وصحتك الكثير، وتذكر مثل جميع الخالدين ان لحدك سيكون مزارا لكل الأحرار..كما ستذكرك الانسانية المتعطشة للحرية الى ابد الابدين .
محمد بابا موهدا