الواقع السياسي وطغيان (العدميه السياسه) / د.محمدعالي الهاشمي

ثلاثاء, 02/02/2021 - 07:14

أضحى المواطن الموريتاني لا يعرف أين يقف؟ وإلى أين يعمل واين يمضي أو يتجه؟ فكل الشعارات التي ترفعها السلطة هي شعارات جوفاء عدميه، خاصة مع ظهور كوفيد 19 جمدت فيه كل حركة أو نشاط وأوقفت جميع النشاطات الاقتصاديه، عمّق الوباء أزمة المواطن الهش، وأتاحت الدوله  للمضاربين التلاعب بحياته وبخبزه اليومي، وهو الآن يشعر أن كل الأحلام سُرِقَتْ منه ليس بسبب كوفيد، بل بسبب فساد النظام الذي يأبى أن يغير من أسلوب تعامله مع الشعب من خلال تطبيق سياسته العدميه والتلاعب بحقوق الشعب

هناك حالة من العدمية السياسية الهوياتية والانتمائية تتمدد في موريتانيا  وتملأ فراغ انهيار وتفكك الأيديولوجيات والانتماءات الكبرى خصوصاً ، وأبرز تجليات هذه العدمية حالة من التيه الفكري والأيديولوجي والهوياتي وفقدان الثقة بالدولة وبكل الأيديولوجيات الوطنية والقومية  دون طرح بديل توافقي أو رؤيه للمستقبل

ويمكن تعريف العدمية بأنها نزعة أو تصور سلبي وتشاؤمي للحياة في كل أبعادها ومستوياتها من الأخلاق والدين إلى الفكر والأدب والسياسة، نزعة تقوم على ألا معنى وألا يقين وألا ثقة بأي شيء، وهي تعبير عن حالة رفض للواقع ورغبة قوية في تدميره أو على الأقل عدم الاعتراف به، بحيث لا ترى في الواقع إلا سواداً بدون نقاط مضيئة ولا تلمس شيئاً يمكن البناء عليه ولا تعترف بالانتماءات الجامعة الكبرى الدينية أو الوطنية أو القومية وهذا ماتعيشه بلادنا هذه الأيام .

والعدمية بهذا المعني ليست مجرد نقد للواقع، لا نقد موضوعي ولا حتى نقد هدام، لأن النقد بشكليه السالفين يطرح البديل ويُنظِّر للمستقبل أما العدمية وخصوصاً في بُعدها السياسي فهي تنتقد بشراسة وتنسف المعنى الكامن وراء أي شيء موجود دون أن تطرح حلولاً أو منافذ أمل بالمستقبل.

موضوعنا في هذا المقال ليس التأصيل أو شرح النزعة أو الفلسفة العدمية بل تغلغل هذه النزعة في العقل والفكر السياسي الموريتاني وعند كثير من المثقفين والكُتاب بل وتغلغلها في الحياة الاجتماعيه، وخصوصاً في ظل حالة الفوضى الناتجة عن الفساد وطغيانه في المنظومه العامه وتفكك وتراجع الأيديولوجيات الوطنية والقومية  وانتشار  الأيديولوجية الإسلامية(اخوان المسلمين )وضعف مؤسسات الدولة الوطنية، بحيث سادت حالة من اليأس والاحباط وألا يقين بكل ما هو قائم .

نزعة العدمية السياسية على المستوى الشعبي وفي مجتمعات ترتفع فيها نسبة الجهل والفقر تؤدي إلى التطرف والإرهاب والرغبة في تدمير كل شيء دون أن يكون لدى الإرهابيين رؤية أو تصور عقلاني وواقعي للبديل عما يتم تدميره، كما تكمن وراء عصبويات ما قبل الدولة من عائلية وقبلية وحركات صوفيه...وانتماءات ضيفه ، لأن فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها وقوانينها وبالأحزاب والأيديولوجيات يفكك رابطة الوطنية والقومية الجامعة ويدفع الأفراد لطلب الحماية والتعبير عن ذاتهم من خلال الانتماءات التقليدية، هذا إن لم يهربوا نحو التطرف والإرهاب كما سبق ذكره.

خطورة العدمية السياسية عندما تنتقل من المواطنين العاديين إلى المثقفين ومجال التنظير الفكري ،ليس بالكتابة المباشرة عن العدمية أو الدعوة لها، ولكن من خلال  المبالغة في نقد الواقع بكل تجلياته الرسمية والشعبية والحزبية ونقد كل مَن يحاول أن يكتب متلمساً بارقة أمل أو فرصة متاحة في بعض تفاصيل الواقع الموريتاني القائم أو في التجربة التاريخية، فكل شيء في نظرهم عدمٌ لا أمل أو رجاء منه، فالوطنية شوفينية أكذوبة، والقومية العربية سراب ووهم وفتنة وتخلف، مستشهدين في ذلك بأسوأ النماذج والتطبيقات،  دون تقديم إجابة عن السؤال: من نحن؟.

 هذه النزعة لا تعبر عن واقعية سياسية أو فكر ثوري أو شجاعة كما لا يمكن إدراجها في سياق الطُهرية أو المثالية السياسية ما دامت لا تطرح البديل عن الواقع ولا تناضل لتغييره، إنها أقرب إلى حالة اسقاط العجز والفشل والإحباط الشخصي والفكري على كل شيء والهروب من عمل أي شيء جديد أو تجديد قديم يمكن البناء عليه. هذا النمط من التفكير العدمي يريدها قطيعة مع كل شيء دون وصل مع أي شيء أو رؤية تؤسس لبداية واعدة بشيء

عندما نخص الحالة الموريتانيه في الحديث عن العدمية السياسية على مستوى الهوية والانتماء نجد شعوباً وقوميات وثقافات متعدده تستنهض قواها وتستحضر تاريخها بل وتسعى لبناء دولتها القومية، سواء تعلق الأمر (بالفلان وولف وسونيكي والبظان بشقيهم الابيض والاسمر ) وهم محقون في ذلك،

 وعندما يتحرك أو يكتب البعض مطالباً باستنهاض القومية العربية والمشروع القومي العربي يتصدى لهم العدميون مشككين بالعرب والعروبة معتبرين أن من يتحدث في هذا الموضوع إما حالم وغير واقعي أو عنصري معادي للقوميات الأخرى، حتى حديث الوطن والوطنية أصبح ممجوجا وغير مقبول عند العدميين (اخوان المسلمين) .

بينما كل القوميات الأخرى في المنطقة لها مشروعها القومي وزعماؤها القوميون وتحافظ علي قوميتها ووحدتها ولا يترددون في النضال عنها لتحقيق وجودهم القومي ، فلماذا يجوز للآخرين ما لا يجوز للعرب؟ ولماذا غير مسموح للعرب دون غيرهم أن يكون لهم مشروعهم  القومي؟ !!