لا يخفي على أحد أهمية الثروة الحيوانية في تأمين سبل العيش والاستجابة المستديمة للأمن الغذائي، حيث يتسارع نمو الطلب على منتجات الثروة الحيوانية وإنتاجها على مستوي العالم، اليوم بفعل النمو السكاني المتزايد وارتفاع الدخل والتغيرات التي تشهدها أساليب العيش والأنماط الغذائية المختلفة.
كما تؤثر الثروة الحيوانية في الوقت ذاته على نحو ملحوظ في البيئة بما في ذلك الهواء والأرض والتربة والمياه والتنوع البيولوجي.
وفي هذا السياق، فقد شكلت الثروة الحيوانية بالنسبة للموريتانيين، بمختلف أعراقهم وعبر تاريخهم، مصدرًا أساسيًا للدخل وصمام أمان أمام كل التقلبات المناخية والأزمات الغذائية العالمية.
وينظر إليها في الوقت الحاضر باعتبارها قطاعا حيويًا واستيراتيجيا يعتمد عليه نسبة 40 بالمائة من السكان في توفير الحد الأدني لمعيشتهم.
لقد صنفت الإدارة الإستعمارية إبان حكمها للبلاد قطاع الماشية كواحد من أهم مصادر التحصيل الضريبي لدعم الميزانية التي ظلت طيلة الفترة الإستعمارية تعاني من اختلالات هيكلية نجم عنها عجز دائم بسبب ندرة النشاطات الاقتصادية ذات المردودية.
ومع ذلك فقد ساهم القطاع الرعوي خلال هذه الفترة بتلبية حاجات البلاد الأساسية من البضائع المستوردة، عبر إدماجه في الدورة الاقتصادية، ويعود إليه الفضل في إخراج منظومتنا الاقتصادية التقليدية من الاعتماد على المقايضة في التبادلات التجارية إلى الإنخراط في اقتصاد السوق عبر مسار المبادلات النقدية ذات الطابع التجاري وتعميمها لاحقًا لتشمل كل القطاعات الانتاجية الأخري.
و في هذا الإطار، تعتبر أسواق المواشي التي أشرفت سلطات الاستعمار على تنظيمها سنويًا في العديد من المدن السينغالية، مثل ماتام واللوكَة و ديوربل.. وغيرها، شاهدا حيا على محورية هذا القطاع ودوره التاريخي الحيوي في الحركية الاقتصادية للبلاد وتحقيق الاكتفاء الذاتي لمواطنيها.
اليوم بعد مرور ما يزيد على ستة عقود بعد رحيل الاستعمار، فإن الكثير من الموريتانيين يعتبرون أن هذه اللفتة التي قام بها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والمتمثلة في إدراج الثروة الحيوانية ضمن أولويات الاستثمار الاقتصادي خطوة هامة على الطريق الصحيح.
ودون الخوض في تحليل مآلات هذه الخطوة والأهداف السياسية والاجتماعية المتوخاة من ورائها، فإننا نرى بأنها أفرزت مقاربة جديدة وناجعة في التعاطي مع الإشكالات التنموية المطروحة عبر تعبئة رأس المال الوطني كمصدر أساسي من مصادر تمويل المشاريع الوطنية إلى جانب جهود الدولة وإشراك المستفيدين من تلك المشاريع في صياغتها.
وعموما فإنه بغض النظر عن دلالات الخطوة المذكورة، وسياقاتها المختلفة، فإنها تحمل على ما نعتقد رسائل عديدة أهمها:
– أن أية مقاربة تنموية شاملة لابد أن تأخذ في الحسبان كل أبعاد التنمية الجهوية المتوازنة والمندمجة.
– ضرورة الاستجابة لمطالب الأغلبية الساحقة من المجتمع في توفير سبل العيش الكريم وخاصة من سكان الأرياف والمناطق الداخلية وإشراكهم بصفة مباشرة في صياغة ومتابعة تنفيذ المشاريع المنفذة باعتبارهم مستفيدين منها والحث على تحسين ظروفهم المعيشية.
– العمل على خلق فرص جديدة للتشغيل بالنسبة لليد العاملة في الريف والرفع من مستوى مساهمة
القطاع الرعوي في الناتج الداخلي الخام الذي وصل سنة 2020 ما يزيد على 22 بالمائة.
– التأكيد على أن الدعاية السياسية وحدها لم تعد تجزي عن الوفاء بالتعهدات، وأن الإنجازات الملموسة على الأرض هي الوسيلة الأنسب للرد على كل المزايدات مهما كانت طبيعتها.
– الوصول إلى نتيجة مفادها أن تحسين أوضاع السكان بصفة عامة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تطور الثروة عبر تراكمية ونمو الإنتاج الاقتصادي، وما يتطلب ذلك من تضافر جهود الجميع، ومن توفير للإمكانات اللازمة للاعتماد على الذات والاستدامة من حيث النسق والديناميكية في تحقيق النتائج المطلوبة.
– إنهاء عقود من الغبن و التهميش بالنسبة لمناطق موريتانية عريقة، يزيد تعدادها على ثلث سكان البلد، وذلك عبر تبني سياسة حكامة جيدة وذات فاعلية تراعي التوازنات الكبري للاقتصاد الوطني الكلي.
الخلاصة أن هذه الإنجازات ما كانت لتتم لولا الإيمان الراسخ لرئيس الجمهورية بقيم ومبادىء العدل والإنصاف والتضامن والوفاء بالعهد التي أختارها نهجًا ثابتًا في تعاطيه مع تدبير الشأن العام منذ توليه دفة الحكم بالبلاد.
لذلك فلا غرابة أن يحظى سيادته بتكريم من طرف رابطة شباب الحوض الشرقي التي أهدته درع التنمية بمناسبة إطلاقه لأول معرض للثروة الحيوانية بمدينة تمبدغة، لأن هذا التكريم بكل بساطة هو تكريم مستحق بجدارة.
ولله الأمر من قبل و من بعد.