قراءة سريعة لمقال وزير الدفاع الوطني

سبت, 14/08/2021 - 11:04

قبل أيام تلقفت وسائل الإعلام الموريتانية ووسائط التواصل الاجتماعي المقال الذي كتبه وزير الدفاع الموريتاني الفريق ركن حننه ولد سيدي، وقد حظيَّ هذا المقال بإهتمام كبير في أوساط النخبة ولدى السلك الدبلوماسي والمتابعين للشأن الموريتاني، وللشأن الأمني في المنطقة كلها.
إن سبب الإهتمام بهذا المقال يعود إلي عدة أسباب أبرزها من وجهة نظري؛ أنَّ الإعلام الموريتاني والدولي لم يتعود من المسؤولين الموريتانيين أن يأخذوا اقلامهم والكتابة، فكانت التصريحات عند الضرورة هي ملجأ مستطلعي حدث معين في الجمهورية، أو موقف من الأمن الإقليمي خاصة منطقتي "الساحل" و"شمال إفريقيا".

هذه المرة قام وزير الدفاع الموريتاني بالكتابة إلي الرأي العام شارحا ومعددا الخطوط العامة للاستراتيجية الموريتانية. غير أنَّ أهم شيء في هذا الإطار هو تحديد مفهوم جديد لمصطلح "الأمن الوطني".

فبعد أن عدد الوزير في مقاله عناوين بترسانة الإنجازات من تسليح وتكوين وبلورة "عسكرية راشدة" في المواجهة وحماية البلد وتنحية الإرهاب، كشف الوزير عن الجديد في هذه المقاربة العسكرية والأمنية. فعبارة "الأمن الوطني" لم تعد مقتصرة علي تشكيل الجيوش (برية، بحرية، جوية.....) وتكوينها وتوعيتها وتثقيفها ورفع معنويات جنودها، ونشرها علي أكثر من مليون كلم مربع ناهيك أكثر من 750 كلم من شواطئ الأطلسي، وتعاون فعال بكل الشهادات الدولية مع جيوش العالم لحماية الأمن الإقليمي والعالمي، بل إن الوزير أضاف أساسا جديدا للأمن الوطني هو "الأمن الغذائي" لشعبنا، وعدد الوزير أربعة بنود في هذا الإطار هي "ضمان النفاذ للعيش الكريم وقدرة شرائية تضمن تغطية الحاجات، وأمن غذائي يضمن توفير المواد بالكميات الكافية، وإنشاء أقطاب لتطوير التنمية الحيوانية وتحديث استغلالها، وتوجيه السياسة الزراعية نحو الاكتفاء الذاتي".

إنها "رافعة السنبلة" التي أصرت المقاربة العسكرية والأمنية الموريتانية أن تكون من ضمن أولوياتها، فليس بالبنادق، وحدها تحمي الأوطان بل بالسنابل أيضا.. وقد دلت التجارب أن أحزمة الفقر هي حواضن مثالية للتطرف وزعزعة الاستقرار والإرهاب.

لقد أوضح وزير الدفاع أنَّ نجاح الاستراتيجية الموريتانية للدفاع والأمن عائد بشكل لا لبس فيه إلي  الرؤية الثاقبة لفخامة رئيس الجمهورية السيد  محمد ولد الشيخ الغزواني. 

عند تقييم المقاربة الأمنية الموريتانية لتحصين البلد من الإرهاب والجريمة، نكون أمام حصيلة المهندس الأول لتلك المقاربة وهو الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي لا بد من محاولة فهم مقاربته ودراسة أسلوبه الخاص في معالجة الأمور، فمن الواضح أنَّ الرجل يطبق أساليب علمية تقوم علي تجارب ميدانية ونظرية.

وكمثال فقط.. يتبادر إلي ذهننا هنا كتاب "QU' EST - CE QU' UN CHEF" للجنرال الفرنسي المتقاعد بيير دفيليي، هذا الكتاب الذي يعتبر أحد أهم وأحدث مراجع فن القيادة العسكرية خلال السنوات الأخيرة، وبالمناسبة كاتبه منظر عسكري شهير  وصديق شخصي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. وهذا الكتاب الرائع والذي يدرس الآن في الكليات والمعاهد العليا العسكرية في العالم لاسيما المدرسة العسكرية الفرنسية  العريقة سنسير(Ecole Militaire de Saint-Cyr)، وكذلك الكلية   الحربية العسكرية الأمريكية الشهيرة في ولاية بنسلفانيا (US War College in PA). 
 والواضح  أن  الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قرأ الكتاب جيدا و  طبق النظرية العسكرية الموجودة فيه، و المبنية علي  سياسة ضرب العدو الاستباقية،  فكرة الهجوم، والتحصين..... هذا يتطلب دراسة خاصة للعدو ومعرفة نقاط الضعف وتحصين القوات المسلحة بكل ما يتطلب من: معدات عسكرية، الكادر البشري، المؤهلات العليا في كل النواحي (Weinberger-Powell Doctrine)، والمعروف في الأوساط العسكرية السياسية بنظرية واينبرغر باول داكترن.

لنأخذ استعادة عمال شركة ATTM المختطفين في مالي الشهر الماضي، لقد سير الرئيس هذه الأزمة وبحكمة عالية، حتى بدت وكأنها لم تكن تحديا أمنيا خطيرا. إن اتخاذ التدابير والوسائل الضرورية لرجوع العامليين سالمين غانمين إلي أهلهم ووطنهم بأقل التكاليف الممكنة والمتاحة، برهن مرة اخري علي ما لا خلاف فيه لدى قادة جيوش المنطقة، وهو أنَّ الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خبير بفن القيادة وأنه في نفس الوقت مؤمن بفكرة تسليم الصلاحيات لمعاونيه العسكريين والأمنيين والإداريين : ( le plein pouvoir dans  ses attributions pour les ministres et les collaborateurs ) ضمن قاعدة :  الثقة التامة، الخبرة، الكفاءة، التوجيه والمتابعة وقيادة الفريق بروح مهنية ونظرة طلائعية لا تقبل غير كسب الرهان".

يعرف فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، من هم جنرالاته وجنوده الأوفياء لموريتانيا ولمقاربة أمنية لا خلاف أنَّ الرئيس هو مهندسها نظريا وميدانيا. وإن ملامح هذه المقاربة التي قدمها الرئيس في "خطاب دكار"، جعلت أمريكا تنحاز مباشرة لرؤيته تلك وتعبر عن تفهمها وعن نجاعتها وعلى مستوياتها العسكرية والسياسية، حيث تم تسجيل أكبر تواصل عسكري وأمني وسياسي خلال هذه الفترة في علاقات البلدين: موريتانيا وأمريكا :  ( زيارة أكبر وفد من الكونجرس الأمريكي بقيادة السناتور الجمهوري جيمس انهاف السنةالماضية.....إلخ ).

يبقى أن لدي رأيا فيما يتعلق بمكونة "الأمن الغذائي" ضمن المقاربة الأمنية الموريتانية. وهو أن تسند لبعض قطاعات الجيش مهمة تهيئة الأراضي الزراعية الجديدة. إننا بتهيئة كل أرض وجعلها صالحة للزراعة نكون قد فتحنا "منجما مستديما" وإلي الأبد.. علي أن تبيع الدولة الأراضي المستصلحة للزراعة "مقابل بنود  إستثمارية استراتيجية " وليس مقابل مجرد مبالغ مالية زهيدة.

المختار ولد الشين