جاء توقيت إقالة حكومة محمد ولد بلال الأولى بعد حدثين بارزين، تمثل الأول في تصريحات الرئيس غزواني أمام الجالية الموريتانية في اسبانيا التي عرى فيها الوضعية المزرية للبلد، فيما تمثل المعطى الثاني في سلسلة من اللقاءات عقدتها الرئاسة والوزارة الأولى مع الأمناء العامون والولاة بدعوى محاولة تفعيل الإدارة وتقريب خدماتها من المواطن.
وتعكس التشكلة الجديدة المعلن عنها بعد إعادة تكليف ولد بلال بتشكيل حكومة جديدة، توجها لاثبات جدية الرئيس على تحريك بركة المياه الآسنة (التي عبر عنها بوضوح في تصريحاتها باسبانيا) التي لم ينجح في تحريكها رغم ما تم تنفيذه من برنامجه تعهداتي من محطات خلال السنوات الثلاث المنصرمة من مأموريته.
كما تعني إقالة أبرز الرموز المشرفة على قطاعات التشغيل و التجارة (التي ترتبط بها الأسعار) والنقل (المسؤولة عن وضعية الطرق) والصحة (المتدهورة خدماتها باستمرار)، وكذا إزاحة إسماعيل ولد أحمد (لعدم الرضى عن الأداء الدبلوماسي له على ما يبدو)، دخول الرئيس مرحلة جديدة من التصميم على وضع أقواله موضع التطبيق وهو تصميم ترجمته إقالته لأكثر من نصف أعضاء الحكومة (15 وزيرا ( وعدم تجديد ثقته لهم.
ويفهم من السرعة التي تم بها تشكيل الحكومة بعد أربع وعشرين ساعة من إعادة تكليف غزواني لمحمد ولد بلال بتشكيلها، أنها كانت جاهزة، وقد تم التفاوض عليها خلال الأيام إن لم تكن الأسابيع التي سبقت إقالة الحكومة، وبما يعني أن قرار الإقالة لم يكن مرتجلا من النظام حين فاجأ الرأي العام والأوساط السياسية والإعلامية.
ولعل أبرز معطى لافت في التشكلة الجديدة دخول مدير ديوان الرئيس ومحل ثقته محمد أحمد ولد محمد الأمين إليها، وهو ما يعني توجه الرئيس وأمين سره للإشراف المباشر على تنفيذ ما يقررون من إصلاحات بمتابعته عن قرب من خلال أداء الجهات المباشرة لها، كما يعني كذلك التهيؤ لمرحلة جديدة في الحوار الوطني الذي يفترض أن يؤدي إلى إعلان انتخابات سابقة لأوانها، وذلك بفعل تجربته المميزة في إدارة انتخابات 2006حين كان مكلفا بحقيبة الداخلية.
ويفهم من العدد المضاعف من الوزراء الذي منح للمنطقة الشرقية (الحوضين ولعصابة) بما يقرب من نصف الحقائب الوزارية (14حقيبة) مقابل 5 حقائب فقط للمنطقة الجنوبية (ترارزة) وأربع حقائب للشمال ( تكانت وآدرار) وثلاثة للساحل (انشيري وداخلت نواذيب)، محاولة نظام غزواني استرضاء المنطقة الشرقية ومغازلة أبرز القوى الاجتماعية فيها للوقوف وذلك لقطع الطريق أمام ما يمكن ان تسعى له المعارضة في أية انتخابات قادمة من محاولات لحلحلة سيطرة الحزب الحاكم على المنطقة الشرقية باعتبارها أهم منطقة نفوذ له.
وقد قرأ المراقبون في دخول رئيس الحزب الحاكم للحكومة رغبة غزواني في إنهاء مرحلة من الحضور القوي للحزب في السياسة وتصديه للرد على أي بيانات للمعارضة بلهجة حادة، وهو توجه ينتظر أن يؤكده نوع الشخصية التي ستخلف ولد سيد محمد ولد الطالب أعمر في رئاسة الحزب، حيث يجري الحديث عن اختيار شخصية سياسية وازنة بحجم سيد محمد ولد محم أو بيجل ولد هميد لقيادة الحزب في الحوار وما يتوقع أن يعقبه من استحقاقات حاسمة.
وعلى العموم يعتبر المراقبون أن تشكلة الحكومة الجديدة قصد من ورائها محاولة بعث أمل لدى المواطن في تحسن الأداء الحكومي من جهة، ومعاقبة من فشلوا أو أثروا على هذا الأمل وبالتالي صورة النظام لدى الرأي العام - مما يمكن أن توظفه المعارضة بعد الحوار - بتدهور الخدمات الأساسية في الفترة السابقة في قطاعات رئيسية أبرزها التشغيل والتجارة والصحة والنقل.
محمد بابا محمد مختار