في السادس و العشرين اغسطس 2010 أعلنت وزيرة الثقافة الموريتانية آنذاك سيسه بنت بيده (في نظام كان يتبجح بمعاداة الثقافة وباحتقار سدنتها) في مؤتمر صحفي إن الحكومة الموريتانية قررت تأجيل تنظيم احتفالية “نواكشوط عاصمة للثقافة الاسلامية” عن موعدها في عام 2011 إلى غاية 2013 وذلك بسبب عدم جاهزية البنى التحتية الثقافية، والمنشآت العامة في نواكشوط. متعللة أن سبب التأخير يعود في الأساس إلى عدم الاستعداد المناسب للحدث الكبير، متعهدة (أي الوزيرة) باستكمال إقامة المنشآت الثقافية في إطار خطة تطويرية شاملة.
واليوم ...وبعد عشر سنوات من ذلك الموعد تم تنظيم هذا الحدث بدون تحضير مناسب أي من دون تلك البنى التحتية اللازمة!..حيث تم الاقتصار على تتظيم فعاليات ثقافية في نفس المنشآت التي كانت موجودة 2010 والتي صنفت غير مناسبة لإقامة تظاهرة بجحم تظاهرة الاحتفاء بعاصمتنا عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي ..من وجهة نظر القائمين حينئذ على الثقافة وممثلي نظام ظل إلى آخر يوم من عهدته يصرح بازدراء الثقافة والتهجم على المثقفين.
والحال اليوم يقول بأن التظاهرة المؤجلة منذ العام 2010 تم تنظيمها على أساس تعليل الهدف منه اقرب كما يقال إلى أن يكون ( ذر ا للرماد في العيون ) من خلال القول بأن الدور التاريخي لموريتانيا في نشر الاسلام في منطقة الغرب الاسلامي ورصيد المحظرة التاريخي في تخريج علماء دوخ صيتهم كل من المشرق والمغرب الإسلاميين، معطيان يظلان أكثر من كافيين لتبرير استحقاق موريتانيا للقب عاصمة للثقافة في العالم الاسلامى وبالتالي تنظيم تبك التظاهرة ..فيما يمثل هذا التعليل في حقيقته نوعا من القفز المكشوف على معطى غياب البنى التحتية الثقافية وغير الثقافية المؤمنة لإقامة تلك التظاهرة ونجاحها.
ما نريد الوصول إليه أن وزارتنا للثقافة و التي توجهت بتوفيق جيد لتطوير تظاهرة المدن التاريخية من خلال التركيز على البعد التنموي فيها وجعل الثقافة ركيزة مكينة للتنمية في تلك التظاهرة ...هي وزارة كانت جديرة بان تصدر عن نفس المنطق في تحضير مميز لفعالية بحجم اعلان نواكشوط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي..وذلك بالتخطيط المستعجل لإنشاء بنى تحتية ورموز من الفخامة بمكان بحيث تعكس بجلاء وقوة أثر الثقافة الشنقيطية وثراءها...وليس القناعة من هذه التظاهرة بالاقتصار على حفل باهت وأنشطة عابرة...تؤكد عند انتهائها للجميع غياب حتى وجود ذلك الماضي الثقافي المشرق - الذي تم الصدور عنه في تنظيم التظاهرة - في حياتنا الراهنة...بتأكيد غياب تأثيره لتواضع مظاهر وشروط الثقافة (الوضعية الحالية للمكتبة الوطنية والمتحف الوطني والمعهد العلمي ودور الشباب)وعدم وجودها وتأثيرها بشكل متميز في حياتنا الراهنة.
نعم..كان من الأهمية بمكان صدور وزارتنا للثقافة عن مقاربة تقوم على خلق رموز ومعلمات حية للتعبير حقا - وليس اعتباطا - عن الإرث الشنقيطي الثقافي ..وبما يتجسد فعلا لا قولا ...من خلال التخطيط لضمان تنظيم ناجح للتظاهرة، لإقامة بنى تحتية متميزة أبرزها مكتبة وطنية تكون الأكبر في الغرب الإفريقي ومتحف يتوسل به أن يجعل الأجمل في المنطقة المغاربية إضافة إلى تشييد دار فنون قومية بميزانية تفوق ميزانية قصر المؤتمراات المرابطين الذي روعي في تمويله ان يكون يفرض احترام زائري البلد..مع الحرص على تجهيز مناسب لكل تلك المنشآت، وإقامة فضاءات ثقافية في اكثر من مقاطعة بنواكشوط لتزخر برموز ثقافية لآلات والعاب ومجسمات.. وكذا الاسراع في الانتهاء من القرية المخصصة للصناعة التقليدية بعد رفدها بجوانب تطويرية..في صيغ يكون الهدف منها مجتمعة ان تعكس الماضي الثقافي لبلادنا.. وذلك بهدف إبقائه حيا فاعلا في الحاضر وبما يعزز الترابط بين كل من الماضي والحاضر.
وربما لن يفوتني هنا ان أشير إلى أنني تطوعت - بصفتي باحثا وذي مراس في اعداد الدراسات لاشتغالي في عدة مراكز بحثية - لرئيس اللجنة التنظيمية الحالية بتقديم استشارة لتدارك بعض النقص الذي قد يكون مريعا ونبهت مسبقا على خشيتي من ان يطبع النسخة الحالية من التظاهرة عند تنظيمها، جراء مقارنة ما صدر عنه منظمو التظاهرة بما خطط له في العام 2010 والذي ذكرت بفشل تظاهرته..ليتم تجاهل تعليقي بشكل كامل من قبل السيد رئيس اللجنة في تفاعله مع الردود التي كانت محتفية بفكرة أحقية موريتانيا في إعلان نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية على أساس ماضينا الثقافي المجيد.
وأختم بخلاصة مفادها...أن وزاراتنا للثقافة ربما تكون أضاعت فرصة ثمينة لتحقيق نقلة نوعية بالمجال الثقافي وهو ما ينطبق أيضا على الحكومة بإضاعة سانحة لتطوير مجمل المرافق والبنى التحتية بالدخول في تجربة مشابهة للتجرية القطر ية مع استضافة المونديال التي اتخذت منها وسيلة لتطوير نفسها باقامةمؤسسات وبنى تحتية باقية وليس بقصرها - كما فعلنا نحن الآن مع تظاهرة نواكشوط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي-على احتفال عابر ومجموعة محاضرات ومعارض شكلية ولوحات طرقية عن علماء ولوحة تذكارية وسباق جمال وخيول...وبما يجعل قطر قبل المونديال ليست قطر بعده..في حين ستظل موريتانيا بعد التظاهرة هي نفسها قبله..والفرق طبعا يظل الفرق في الرؤية والتخطيط والتحضير .
محمد باب موهدا