حادثة الخطف التي تعرض لها قبل أيام مواطنون موريتانيون على يد عصابات مكسيكية، هي معطى من الاهمية بمكان لإيقاظ الحالمين من الشباب وذويهم بالوصول الى الجنة الامريكية باعتبارها مفتاح الثراء الاسهل والذي في سبيله يهون بيع كل مقدرات الأسرة وتحمل أبناءها العناء والمخاطر والمشاق باعتبار ان الوصول الى البر الامريكي ـ بعد النجاح في تسلق السياج الحدودي بينها وبين المكسيك ـ سيكون خاتمة الألم والمعاناة وبما ينشأ عنه تعويض سريع لكل التكاليف والمشقات السابقة خلال ظرف وجيز، الأمر الذي يبرر للأسر استثمار كل مقدراتها في هذه التجربة ما دامت نتيجتها مضمونة.
ولعل أهم نقطة نريد ان نلفت الانتباه اليها ـ على ضوء هذه احادثة ـ ان التخطيط للثراء باستثمار مقدرات الاسر في الهجرة لأمريكا أوغيرها والنجاح في خلق الثروة من خلاله، ستظل نتيجته متواضعة إذا قيست بما يمكن أن يسفر عنه استثمار تلك المقدرات في مشروع قويم في الوطن، وبما سيؤمن فعلا الحلم الذي يراود مخيلة كل شاب بل كل فرد في موريتانيا بتحصيل سكن محترم في منطقة صكوكو ووظيفة دائمة بدخل محترم على أن يكون ذلك بالقرب من الاهل وبما يتيح الفرصة والقدرة على مساعدتهم كل حين.
نعم..نظل ننبه الى أن الهجرة لطلب النجاح بتحقيق الثراء يظل اسهل منها التخطيط للنجاح في الوطن بنفس المقومات المادية المستثمرة فيها من قبل الأسرفي مشاريع اقتصادية، وذلك من منطلق ان الاستثمار في الهجرة يظل في نهاية التحليل يعني تحرير اصول مادية معتبرة كانت مجمدة وبدون توظيف..لينتج عن تحرير تلك الاموال المجمدة في الاصول والتي تحررها الاسر في حالة الهجرة فقط، اطلاق حركة اقتصادية تحتضن نجاح الاستثمار نتيجة ضخ مئات الملايين كل مرة في الاقتصاد الوطني.
ولعل كل الملاحظات السابقة تكشف مفارقة بينة مفادها أن الهجرة بينت أن الموريتانيين يسهمون في خلق بيئة طاردة لشبابهم هم من يخلقها بمنعهم من تجربة استثمار مدخرات الاسرة في نجاح حقيقي داخل الوطن وليس في نجاح زائف خارجه ..حيث الاستثمار في الهجرة يجعل الشاب يعمل أجيرا وفي أحقر المهن.. بينما يتيح له الاستثمار في وطنه ان ينمي قدرات ومهارات انتاجية وتسويقية في مهن محترمة.
ويبقى من أبرز دلالات تلك المفارقة كون الموريتانيين كانوا عاجزين للمرة الثانية ـ وبصورة قريبة من الغباء ـ عن رؤية الحل المنقذ لهم والذي هو في تناول أيديهم، حين لم يدركوا ان الاستثمار في مشاريع بالوطن أنجح وأسلم لهم ولشبابهم من الاستثمار في الهجرة عنه، وذلك ما وقع سابقا لهم في فترة الحرب العالمية الثانية كان قضت المجاعة على الالاف منهم بسبب الجوع وبالقرب منهم محيط ونهر عامران بالمقدرات السمكية من كل نوع...وقد أعمى الله عيونهم عن رؤية آلاف النجاحات التي يمثلها الساكنون الجدد في منطقة صكوكو ليروا فقط نجاحات عشرات هاجروا الى الخارج في سبيل ثراء يظل مشكوك في قدرته على ان يضاهي نجاحات صكوكو السابقة. وبما يفيد ان المعضل الأساسي يرجع الى أن الذهنية والعقلية لدى الموريتانيين لا تستفيد من تجارب الماضي.