السطحية العقيمة لصالح فئات ضيقة تتخذها، بمزاجية "سيباتية" لا "دولاتية"، وجهة للاستجمام الاستعلائي التراتبي، وتبذير المال العام بعد نهبه بلا تردد، وقتل مفهوم الدولة في المهد بدم بارد تكريسا "ساديا" للغبن والتباين والتفاوت و"تبليدا" للعقول وغرسا للنزعة الجهوية السقيمة ذات الخلفية القبلية وإبقاء على التفاهمات الماضوية المختلة.
لوحة قاتمة بألوان باهتة رسمها هؤلاء بلا حياء ثقافي، ولا نخوة فكرية، ولا تواضع السمو والرقي، فأسقطوا وضيعوا رافعتي العلم والأدب اللتين بناها الأجداد بشق النفس في ظروف الخواء المادي. وكيف لا وقد باتت التجربة الشعرية الحديثة نقلا منحرفا ومحرفا لإبداعات الغير ليصبح بموجب ذلك شعر المتقدمين لحافا يتدثر به المتأخرون تغطية مكشوفة لعجزهم عن الالتحام بركب الحداثة ومسار العولمة المعتمدة على تحكيم النقد وإقصاء المجاملة المناورة. وليست الكتابة الأدبية بكل أصنافها بأعظم شأنا حيث الإبداع غائب والأسلوب عصي والخيال ضعيف.
أسباب مجتمعة مع غيرها دفعت النخب المترجلة عن أحصنة البذل والابداع والعطاء إلى امتهان العهر الثقافي في أروقة السياسة المكيافيلية الخبيثة بالاصطفاف إلى منابع النفعية والربحية، وتعاطي خمرة النفاق حتى الثمالة في حانات التغني بالأمجاد، والجرأة الغير مقيدة بأي وازع على تجاوز موانع اجتزاء مقومات الثقافة الحصيفة؛ أسباب مهدت أيضا لركوب أمواج المهرجانات الشعبوية الربحية والرسمية الانتقائية، وارتياد محطات الاستجمام والسياحة.