يحكى فيما يحكى، ومع شيء من التصرف، أن أبا مزق خريطة للعالم كانت توجد على وجه ورقة، ثم ناول الخريطة الممزقة لابنه الصغير وطلب منه إعادة تنظيم قطع الورقة الممزقة، حتى تعود خريطة العالم إلى شكلها الأصلي.
تمكن الطفل الصغير بعد أقل من خمس دقائق من أن يعيد خريطة العالم إلى شكلها الصحيح، أتدرون كيف تمكن الطفل الصغير من إعادة خريطة العالم إلى شكلها الأصلي خلال خمس دقائق فقط؟
لقد استطاع هذا الطفل الصغير أن يُعِيدَ خريطة العالم الممزقة إلى شكلها الأصلي، وذلك بعدما اكتشف أن مقلوب الورقة الذي رُسمت عليه خريطة العالم كانت توجد به صورته الشخصية التي وضعها الأب لكي يقدم لابنه درسا عميقا، لن يتعلمه في أي مكان آخر.
كان من السهل جدا على الطفل أن يعيد صورته الشخصية الممزقة إلى شكلها الأصلي، وهو ما انعكس ـ وبشكل تلقائي ـ على الوجه الآخر من الورقة، حيث عادت خارطة العالم، في الوجه الآخر، إلى شكلها الأصلي من قبل تمزيق الورقة.
إن الدرس الذي حاول الأب أن يقدمه لابنه من خلال هذه القصة هو أن العالم يمكن إصلاحه من خلال إصلاح أو صلاح إنسان واحد.
وإذا ما اختزلنا خريطة العالم في خريطة موريتانيا، فسيكون بإمكاننا أن نقول ـ اعتمادا على هذه القصة ـ بأنه بإمكان كل واحد منا أن يُصلِحَ من حال موريتانيا، إذا ما أصَلَحَ هو أولا من حاله، وهو ما يعني بصياغة أخرى، أن كل واحد منا هو من يعيق إصلاح موريتانيا، وذلك لأنه لم يُصلح من نفسه.
فالمدرس الذي يغيب عن التلاميذ في مدرسة نائية بمبررات زائفة هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
والطبيب الذي يتغيب أو يتكاسل في المستشفيات العمومية، ويكون نشطا ومتحمسا في عيادته الخاصة هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
والسياسي الذي تناقض أفعاله أقواله، والذي يَضَعُ مصلحته الخاصة قبل مصلحة الوطن هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
والناشط الجمعوي الذي يسترزق بترخيص جمعية في حقيبة، ودون أي عمل ميداني هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
ورجل الأعمال الذي يتحايل على الضرائب ويستورد موادا غذائية أو طبية مزورة، ويرفع الأسعار دون مبرر هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
والموظف الذي لا يفكر إلا فيما يحقق له مصلحة خاصة، ولا تهمه مصلحة البلد هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
ورجل الأمن الذي يترك سيارة تتجاوز بحمولة زائدة عندما تمر به في نقطة تفتيش مقابل رشوة هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
والسائق الذي يتجاوز إشارة الضوء الحمراء معرضا حياته وحياة الآخرين للخطر هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
والمدون الذي لا يقلل من حجم الفجوة بين ما ينشر من كلام جميل على حسابه، وما يمارس من أفعال مناقضة لذلك الكلام الجميل على أرض الواقع هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا؛
والمواطن الذي عندما يجد أمامه صفا من المواطنين طلبا لخدمة ما، لا يدخل في الصف، وإنما يبحث عن طرق ملتوية للحصول على الخدمة من خارج الصف هو من يعيق الإصلاح في موريتانيا.
إن قائمة معيقي الإصلاح في موريتانيا تطول، ولا تكفيها مساحة ضيقة كهذه، ولكن يمكن اختصارها من خلال صيغة أخرى مفادها أني أنا وأنتَ وأنتِ وهو وهي ونحن وأنتم وأنتن وهم وهن، هم من يعيق الإصلاح في موريتانيا، وعندما يقرر كل واحد منا ـ ومن الآن ـ أن يكون مواطنا صالحاً، حتى ولو ظل المجتمع كله فاسدا، فالذي سيحصل بعد ذلك وخلال خمس دقائق فقط هو أن المجتمع سيتحول بكامله إلى مجتمع صالح، وحينها ستزول كل عوائق الإصلاح، وبالتالي فإن موريتانيا ستدخل في مسيرة إصلاح حقيقي وجاد.
إن العقبة التي تقف ضد الإصلاح في هذه البلاد، وهي أم المشاكل لدينا، هي أن كل واحد منا يرفض أن يكون مواطنا صالحا من قبل أن يصلح حال كل الموريتانيين وبملايينهم الأربعة أو الخمسة، أي أن يصلح حال الرئيس، والوزير، والسياسي، والمثقف، والطالب، والغني، والفقير، والشاب، والشيخ، والمرأة، والرجل، والمتسول، وعابر السبيل، والحي، والميت...عندما يصلح حال كل هؤلاء، أي عندما يصلح المجتمع كله، فحينها لن يُطلب منك ـ يا هذا ـ أن تكون مواطنا صالحا، فأنت حينها ستكون مواطنا صالحا رغم أنفك، وإلا فسينظر إليك المجتمع الصالح بازدراء، وربما يلقى بك في السجن لفسادك.
إنه قرار شخصي واحد سيكون كافيا لإصلاح موريتانيا بكاملها، وملخص هذا القرار هو أن يقرر كل واحد منا الآن أن يكون مواطنا صالحا، أفلا يمكن لي أنا ـ مثلا ـ أن أقرر من الآن أن أكون مواطنا صالحا حتى ولو ظل المجتمع من حولي كله فاسدا؟ ألا يمكن لكَ أنتَ أن تتخذ مثل ذلك القرار؟ ألا يمكن لكِ أنتِ أن تتخذين مثل ذلك القرار؟ ألا يمكن له هو أن يتخذ مثل ذلك القرار؟ ألا يمكن لها هي أن تتخذ مثل ذلك القرار؟
قرر الآن، وإلا فعليك أن تعلم بأنك أنتَ ـ وأنتَ وحدك ـ هو من يعيق الإصلاح في هذه البلاد المتعطشة للإصلاح.
حفظ الله موريتانيا..