صورة مثلى:
بلغت المراكز الثقافية أوج عطائها وتعددها في فترة الثمانينات حيث بلغت عددا لم تستطع المحافظة عليه في العقود التالية التي شهدت تراجعا مستمرا لعددها فيما انخفض مستوى عطاء المراكز القليلة التي لم تطلها ظاهرة الاختفاء لسبب او لآخر.
وشملت المراكز الثقافية في الماضي مبادرات لعديد الدول التي تسابقت في فتح مراكز ثقافية لها في نواكشوط متنافسة على اجتذاب الشباب والمثقفين الموريتانيين. وعلى إيجاد علاقة معهم من خلال أنشطتها المتنوعة.
وتمثلت باكورة المراكز الثقافية في المركز الثقافي المصري الذي غذى تعطش الشباب الموريتاني الى الكتب والجرائد، فيما قابله المركز الثقافي الفرنسي بالنسبة للأفارقة وأصحاب الثقافة الفرانكفونية من العرب، في حين تعددت المراكز الثقافية الٱخرى بتعدد الدول التي افتتحتها حيث نذكر هنا: المركز الثقافي المغربي- المركز الثقافي السعودي - المركز الثقافي الليبي - المركز الثقافي العراقي - المركز الثقافي السوري.
أنشطة متنوعة:
تعددت أنشطة المراكز الثقافية بالعاصمة في فترة الازدهار والفترات اللاحقة عليها وذلك لاجتذاب أكبر كم من الشباب والمثقفين الموريتانيين حيث شملت تلك الخدمات : مكتبة للمطالعة - عروض أفلام أسبوعية- تنظيم محاضرات دورية - تنظيم معارض - تنظيم مسابقات ثقافية - تقديم دروس لغير الناطقين بالعربية،
وهكذا كان الشاب والمثقف يجد أمامه مجموعة متنوعة من الخدمات والعروض تملا عليه وقته ويحتار في محاولات التوفيق بين حضور بعضها المنظم في فترات متزامنة..فيما أمنت المشارب والتوجهات السياسية ربط أصحاب الإديولوجيا بمراكز معينة تخدم توجههم السياسي والفكري، وفي هذا الإطار ارتبط دعاة التعريب بالمركز الثقافي المصري ودعاة الفرانكفونية بالمركز الثقافي الفرنسي.فيما نهل ذوو التوجه السلفي من مكتبة وٱنشطة المركز الثقافي السعودي الذي اختار له اسم مركز الدعوة والارشاد وذلك مقابل ارتباط ذوي التوجه القومي العروبي بالمركزين الثقافيين: العراقي من جهة والليبي من جهة ثانية،
وقد ساهمت الأنشطة الثقافية لمختلف المراكز في إنعاش المشهد الثقافي ومن ورائه المشهد السياسي كما أسهمت بشكل كبير في دعم تفتح المواهب في مجالات عديدة شملت الشعر والقصة والمسرح والرسم.
محنة بسبب السياسة:
تأثرت المراكز الثقافية بالعلاقة القائمة بين النظام السياسي الحاكم في موريتانيا والأنظمة التي تحكم الدول التي تتبع لها تلك المراكز.. وفي هذا الإطار اختفى تباعا عدد من المراكز الثقافية العتيدة في نواكشوط بفعل وجود خصومات بين هذا الرئيس أو ذاك مع دولها.. وهي الظاهرة التي بلغت أوجها في فترة حكم ولد الطايع التي قاربت العقدين، حيث اختفت تباعا خلالها - بفعل خلافاته السياسية مع عدد من الأنظمة العربية - كلا من المراكز التالية: المركز الثقافي العراقي - المركز الثقافي الليبي - المركز الثقافي السعودي..فيما اختفي لاحقا بفعل أحداث الربيع العربي المركز الثقافي السوري.
ويلاحظ أن المراكز الثقافية التي لم تتأثر بتداعيات المواقف والخلافات السياسية انحصرت بالأساس في ثلاث مراكز هي : المركز الثقافي الفرنسي - المركز الثقافي المصري - المركز الثقافي المغربي.
محاولات لملإ الفراغ:
وجدت بعض المحاولات التي هدفت لملإ الفراغ الذي خلفه اختفاء العديد من المراكز الثقافية بالعاصمة..والاضطلاع بالتالي بأدوار التثقيف والانعاش، حيث تمثل أبرز تلك المحاولات في مبادرات رسمية وأخرى خصوصية، ونذكر من بين المبادرات الرسمية: مشروع دور الكتاب التي افتتحها نظام ولد الطايع في كل المقاطعات، ومشروع التوسع بعهده في افتتاح عدد من دور الشباب في المقاطعات، إضافة إلى افتتاح مركز ثقافي باسم مركز معاوية تم تحويل اسمه حاليا لمركز جهة نواكشوط ..فيما تمثلت أبرز المبادرات الخاصة للتغلب على الفراغ الذي خلفه اختفاء عديد المراكز الثقافية الأجنيية في افتتاح خصوصيين لعدد من المكتتبات الخاصة للمطالعة يبقى من أبرزها مكتبة العرفان، مع ايجاد عدد من الفضاءات الثقافية ابرزها فضاء التنوع الثقافي المقابل للمتحف الوطني والذي احتضن لقرابة عقد من الزمن عشرات الفعاليات والعروض الثقافية.
وعلى العموم يلاحظ أن المبادرات الوطنية التي قامت لسد الفراغ الذي خلفه اختفاء عدد من المراكز الثقافية الأجنبية لم تنجح بالشكل الكافي في تعويض خدمات تلك المراكز الثقافية ولا في تغيير مسار ظاهرة محيرة تتمثل في قتل وموت عدد من المبادرات الثقافية بصفة جزئية مثل الحال مع المراكز الثقافية المختفية، أوصفة كلية مثلما حصل معشبكة دور السينما في العاصمة ومعظم عواصم الولايات،