المبادرة التي كشفت عنها وزارة الداخلية بوجود توجه من الحكومة لإصدار قانون جديد للأحزاب وعدت بتقديمه إلى الجمعية الوطنية في دورتها الحالية والالتزام بأن لا تختتم حتى تقره، طرحت الكثير من الأسئلة ومعها سحب من الترقب والتحفز حول دلالات المبادرة وتوقيتها ومراميها الحقيقية.
ويظهر من الجهة التي أعلنت عن المبادرة وهي وزير الداخلية والمناسبة التي تم الإعلان فيها عنها وهي دعوة منه لرؤساء وممثلي الأحزاب قيد التأسيس وممن أودعت ملفات طلب ترخيص للوزارة، أن الوزارة بصدد مسعى لحلحلة موضوع طال انتظار حلحلته لعقود حيث يتعلق الأمر بتسهيل إجراءات الترخيص للأحزاب السياسية على غرار ما حصل مع النقابات والصحف التي تحول مسار تحصلها على تراخيص من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل وبما بات يكتفى معه بتصريح من المؤسسين يقدم مقابله ترخيص لهم.
فيما قرأ المراقبون في توقيت مبادرة وزارة الداخلية أنها سعت لاستغلال ظرفية التهدئة السياسية الحالية التي تحصلت بعد شهور قليلة من الزوبعة التي اعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث خسر بيرام ولد اعبيد أمام الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، حيث تعتبر الوزارة أنها يمكن أن تحقق من الحوار أهدافا وتمرر به من قرارات ما سيتعذر عليها إذا عادت حالة الاحتقان والتأزم السياسي مرة أخرى وتحت أي ظرف.
ويعتقد مجللزن أن الحكومة تخطط ومنذ لحلحلة ثلاثة ملفات ظلت مستعصية على الحلحلة ولعقود، حيث يتعلق الأمر بمسألة تعريب التعليم والإدارة والتي بقيت من المحاذير التي تتحاشى الحكومات والأنظمة السابقة مسألة الخوض فيها لما تتضمنه من حساسيات بفعل تمسك الزنوج بالفرنسية وتعلق العرب بالتعريب مع اعتبار الزنوج أن تعريب التعليم والإدارة وتقبلهم لذلك سيعمل فقط على اقصائهم من المناصب العامة ويحد من قدرتهم على المنافسة في الشهادات والمسابقات أمام نظرائهم من العرب.
أما الملف الثاني فيتعلق بالارث الإنساني والذي هو ملف ينتظر أن تقدم الدولة مقترحات مغرية لطيه بمنح تعويضات مضاعفة لذوي الضحايا المشمولين به، وذلك مقابل اعلان هؤلاء عن الانخراط في مبادرة للعفو والمصالحة ترعاها الحكومة بالتعاون مع المجتمع المدني.
في حين سيكون الملف الثالث متعلقا بالحوار السياسي الذي أعلن أكثر من مسؤول رفيع في الحكومة أنها بصدد تنظيمه بين الفرقاء، والذي يتوقع أن يفضي إلى الدعوة لانتخابات تشريعية وبلدية مبكرة تشارك فيها الأحزاب الجديدة التي سترى النور بعد إقرار قانون الأحزاب المرتقب . فيما يرجح على العموم أن تلعب الحكومة على تسريع الآجال لهذا الملف الثالث (الحوار السياسي) في ظل الهيمنة الحالية لحزب الإنصاف الحاكم على مقاليد السلطة وتراجع نفوذ وشعبية المعارضة وانحسار خطابها إلى أَضيق مدى منذ دخول البلاد في مسار التعددية مع بداية تسعينات القرن الماضي. وذلك ليضمن قادة الإنصاف تحصيل نتائج معتبرة لهم في ملف الحوار وبقية الملفات مجتمعة.