
دخل عدد من النقابات التعليمية الموريتانية في إضراب لمدة أسبوع بداية من يوم 12 فبراير 2025، وذلك بعد ما يزيد على الشهر من إيداع مسطرتهم الاحتجاجية مرفقة بعريضة مطلبية ربطوا فيها بين عدم اللجوء إلى الاضراب وتحقيق وزارة التربية مطالبة ضمنوها فيها يبقى من أبرزها: إقرار زيادة "معتبرة" في الرواتب والعلاوات - توفير سكن لائق للعاملين بالقطاع - استرجاع المبالغ التي اتهموا البنوك بقطعها بشكل يخالف قانون المالية - منح مقدمي خدمات التعليم علاوة الطبشور - ترسيم مقدمي خدمات التعليم وفتح باب التبادل والتحويل له - صرف رواتب مقدمي الخدمات في بداية كل شهر - منح الوكلاء العقدويين علاوات السكن والتأثيث والنقل الحضري - التعجيل بعلاوة الطبشور.
وفي مقابل العدد القليل نسبيا من النقابات المنضوي تحت يافطة الإضراب الحالي والموقع عليه من قبل ما مجموعه 12 نقابة، انبرى عدد مواز قدر ب23 نقابة في مبادرة لإفشال الإضراب بدعوى تشويشه على الحوار الجاري بينها وبين وزارة التربية، والذي يعتبرونه أسفر حتى الآن عن تسوية العديد من مظالم المدرسين من أبرزها: حل مشكلة المفصولين الذين تقدمت بهم النقابات لإعادة دمجهم - عدم تحويل المدرسات المستفيدات من راحة الامومة - صرف علاوة الطبشور لعقدويي الدولة - تسوية توقيع تقارير التفتيش لأساتذة العقود الدائمة - تسوية ترسيم الأساتذة الناجحين في دفعة 2022 - توحيد علاوة المردودية للمكونين -فتح التبادل بين نواكشوط و الولايات الداخلية - استفادة مقدمات الخدمة من راحة الأمومة.
ويعكس حراك الإضراب الحالي والمسعى المضاد له انقساما في صف الجمعية العامة لنقابات التعليم الأساسي والثانوي، التي دخلت منذ ما يقارب العام في حوار مع وزارة التربية على إثر حراك نقابي واسع لممتهني مهنة التعليم شاركت فيه لأول مرة مجمل التشكيلات النقابية التعليمية للمعلمين والاستاذة والمكونين والمفتشية ومديري الدروس والمراقبين العامين والملحقين العامين والمتعاقدين ومقدمي الخدمة التعليمية.
كما يعكس الانقسام المذكور في المجمل الموقف من نتائج الحوار وأهمية الملفات المناقشة فيه مع الوزارة، ففي حين تركز النقابات المتمسكة بالحوار على ضرورة إلزام الوزارة بما اعتبرت أنها مؤهلة لتسويته والمتمثل في 42 مظلمة 118 مظلمة أقرت بها تخص مجمل أسلاك وفئات قطاع التعليم، مع تعهدها بإيجاد آلية مناسبة لتوفير صندوق لسكن المدرسين. تعنبر النقابات المقاطعة أن الأولية يجب أن تنصب على المطالبة بزيادة الرواتب والعلاوات التي ترفض الوزارة حاليا مناقشتها بحجة تعدد الوزارات المسؤولة عن مناقشتها وانعدام المخصصات المالية اللازمة لرفعها.
في حين يمثل مرسوم مشروع أسلاك التعليم الأساسي والثانوي نقطة جوهرية في الخلاف بين أقطاب المشهد النقابي التعليمي الموريتاني، ففي وقت تجد فيه نقابات التعليم الأساسي أن التحسينات المدخلة بالتشاور معها على تحسينه تظل مرضية، تنبري نقابات رئيسية في التعليم الثانوي للمطالبة لإخضاعه للمزيد من التطوير من منطلق مقاربات جديدة، وبما جعل وزارة التهذيب تميل حاليا إلى الفصل بين المكونتين من خلال إصدار مرسوم خاص بكل مكونة، مع الشروع أولا في إصدار مرسوم أسلاك التعليم الأساسي نظرا لجاهزيته ودعم قطب النقابات المحاورة لها التوجه.
ويبدو أن الوزارة أيضا ومن خلفها الحكومة سعت لإفشال الإضراب الحالي استباقيا من خلال التزام وزيرة التهذيب بتسوية مظالم عديدة قبل يوم الإضراب الموعود وذلك بإعلانها قبل أٍسبوعين من تاريخه، تحديد يوم 16 فبراير كآخر أجل لتسوية ما تبقى من مظالم رئيسية متفق عليها مع النقابات وأبرزها مرسوم الاسلاك، وذلك مقابل دخول الوزير الأول المخطار ولد إجاي على الخط بتنظيم اجتماع للجنة المكلفة بدراسة صندوق سكن المدرسين في اليوم الذي سبق الإضراب، حيث وجه بتسريع خطوات إنشاء هذا الصندوق، في ظل الحديث عن حصول توافق بين النقابات والحكومة على صرف مبلغ سبع ملايين قديمة لكل مدرس لاقتناء سكن خاص به.
ويرى المحللون أن الخطوات التي قامت بها النقابات المحاورة في معارضة الإضراب الذي دعت إليه زميلاتها التي تعتبرها متشددة، والموعد الذي أعطته الوزارة لتسوية مظالم تهم المدرسين فضلا عن ظهور الوزير الأول بنفسه في موضوع تسريع إطلاق صندوق السكن الخاص بالمدرسين، ستكون كلها خطوات تصب في صالح التقليل من شأن الإضراب وابقائه عند أضعف مستوى له، كما ستكون مؤشرا لقياس الثقة التي تحظي بها كل من النقابات المحاورة والمتشددة عند جمهور المدرسين، في حين سيمثل كذلك مستوى المشاركة في الإضراب والوقفات المواكبة له تصويتا غير مباشر لمنتسبي التعليم على من يدعم إستراتيجية النقابات المتشددة المركزة على زيادة الرواتب والعلاوات وتفضيلها على تسوية المظالم وإصدار مقرر الأسلاك، والإستراتيجية المقابلة لها المعتمدة من قبل النقابات المحاورة والقائمة على التركيز على تحقيق الممكن وكسب المتاح بالتركيز على المظالم وإصدار مرسوم الأسلاك.